"وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت" صدق الله العظيم (سورة التكوير- آية 8 و9)..
صدق أو لا تصدق.. أكثر من عشرة ملايين طفلة رضيعة قتلن خلال عشرين عاما فقط في الهند، وحسب تقرير لليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة) فإن نحو 7 آلاف طفلة وفتاة يجرى وأدهن يوميا هناك.. وقد يتم الوأد عبر طرق عديدة منها السم (من خلال نبات الأولياندر) بسبب عدم القدرة على شراء السم من الصيدلية، ويتم مزج سم هذا النبات المجاني في لبن الأم، وبالتالي يتحول مصدر الحنان إلى مصدر القتل.
كما قد يتم عن طريق الخنق (وضع قطعة من القماش على فمه لبعض الوقت) أو الغرق (من خلال إلقاء الصغير في حوض ماء) وقد يكون –وهذا هو الأصعب- عن طريق الحرق. تعددت الطرق والموت واحد.. ثم بعد هذه الجريمة البشعة لا يتم دفن هؤلاء الأبرياء في المقابر، بل يتم إلقاؤهن في بالوعات المياه وصناديق القمامة حتى لا تنكشف الجريمة التي يتم تجريمها وفقا للقانون.
السؤال هو: لماذا تتم هذه الجريمة البشعة بيد الأمهات أو الجدة للأم؟
الإجابة تقدمها الصحفية "جيتا أرافامودان" في كتابها الذي أصدرته حديثا بعنوان "الفتيات المختفيات" والذي صدر مؤخرا حيث قدمت عدة أسباب لذلك منها الأسباب الاقتصادية، لأن البنات حسب التقاليد الهندية يزدن الأسرة فقراً بسبب الزواج، حيث تقوم المرأة بدفع المهر لزوجها في الهند على اعتبار أنه هو الذي سيقوم بالدفاع عنها بعد الزواج، ومن ثم فإن الأسر الفقيرة التي ترزق بابنة تعتبر ذلك وبالا عليها "سبحان الله مع أن الذي يُرزق ببنت في الإسلام ويحسن رعايتها تكون سببا له في دخول الجنة، فضلا عن أن رزق البنات بل الأولاد عموما كفله الله في قوله: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، نحن نرزقهم وإياكم، إن قتلهم كان خطأ كبيرا". لكن هي قوانين البشر، بل المعتقدات الخاطئة التي جعلت هؤلاء يقدمن على هذه الجريمة البشعة. ومن ثم فإن عملية الوأد هذه تنتشر في الريف أكثر منها في المدينة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة لأهالي الريف.
كما تلعب المعتقدات الباطلة -أيضا- دورا كبيرا في هذا الشأن، فالأسر الهندية تسعى لإنجاب الذكور لأن التقاليد الهندوكية -إحدى أبرز الديانات المنتشرة في الهند- تجعل الذكور هم المنوطين بعملية إشعال النيران لحرق جثت والديهم بعد وفاتهم وفق هذه التعاليم بالإضافة إلى تهديد الأزواج لزوجاتهن بالقتل أو الحرق في حالة إنجاب أنثى "مع أن العلم الحديث أثبت أن الأب وليس الأم هو الذي يحدد نوعية الجنين". ومن ثم تضطر الأم لقتل وليدتها على اعتبار أن "الحي أبقى من الميت أو الكبير أولى بالبقاء من الصغير"، أو على غرار المثل القائل: "إن جالك الطوفان حط ولدك تحت رجليك".
إجهاض 10 مليون طفلة كل عام
ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان إن ظاهرة الإجهاض الانتقائي للأجِنَّة تشهد تزايدا في الهند رغم أن هذا التصرف غير قانوني، موضحا أن نسبة وفيات الفتيات في البلد تفوق بأربعين في المائة نسبة الذكور، وحسب الجمعية الطبية الهندية تجرى أكثر من عشرة ملايين عملية إجهاض أغلبها من أجل التخلص من الجنين الأنثى كل عام، وحسب جمعيات حقوق الإنسان فإن معرفة جنس المولود والتخلص منه أصبح عملاً يدر أرباحاً للأطباء تصل إلى مائة مليون دولار سنوياً، فهناك عيادات متنقلة يمكنها الوصول إلى القرى النائية ومناطق عدة هنا وهناك.
وتشير دراسة حديثة أعدها باحثون هنود وكنديون نُشرت في مجلة لانست الطبية البريطانية، وارتكزت على مسح حكومي شامل لأكثر من مليون أسرة عام 1998، تشير إلى أن الباحثين اكتشفوا أن أشعة الـ "ultra sound"للتعرف على نوع الجنين كانت وراء التخلص من حوالي عشرة ملايين أنثى في العقدين الماضيين حتى عام 1998، كما اكتشف الباحثون أيضاً أنه لو كانت الطفلة الأولى أكثر حظاً في الحياة، فإن فرص الثانية أقل، أما الثالثة فالموت غالباً من نصيبها.
ولقد حاولت الحكومة عام 2005 إصدار قانون بتجريم القيام بالكشف على المرأة الحامل عبر السونار، حتى لا تحدث عمليات إجهاض في حال كون الجنين أنثى، لكن الجمعيات الطبية اعترضت على ذلك على اعتبار أن ذلك الإجراء قد يعوق عملية متابعة حالة الجنين بغض النظر عن نوعه وكانت النتيجة إجهاض القانون.
أطفال المهد.. لإنقاذ بنات الهند!
وقد سبق أن قدمت الحكومة عام 1992 مشروعا سمي بخطة "أطفال المهد"؛ حيث يناشد المشروع كل أسرة تفكر في التخلص من طفلتها الرضيعة بألا تقتلها، بل تسلمها إلى الدولة، وهكذا تتمكن كل أم -وبشكل سري- من التخلص من طفلتها دون اللجوء إلى قتلها. ورغم نجاح مشروع أطفال المهد في التقليل من قتل إناث الأطفال حتى عام 2003، إلا أن الإحصاءات غير الرسمية تؤكد أن النساء لا تزلن تفضلن الإجهاض على تسليم الأطفال إلى المؤسسات الاجتماعية من أجل التبني، ومن ثم بدأت الحكومة في تهديد الأسر بأنها ستعامل أي حالات وفاة للأطفال الرضع من البنات على أنها جريمة قتل.
عنوسة.. الرجال!
لقد ترتب على هذه العملية البشعة نتائج وخيمة لعل من أبرزها تراجع نسبة الفتيات عن نسبة الذكور في الهند، فوفقا للإحصاءات الدولية فإن النسبة الحالية للفتيات في الهند هي تسعمائة وستين أنثى مقابل كل ألف ذكر. (مع أن المعدل العالمي هو 1050 أنثى مقابل ألف رجل).
وقد ترتب على ذلك بروز مشكلة "العزوبية" في الهند، بمعنى أن عدد الرجال الراغبين في الزواج أكبر من عدد النساء، مع أن الوضع الطبيعي هو بروز ظاهرة العنوسة بسبب زيادة عدد النساء على الرجال، ولقد قدم الدين الإسلامي حلا لهذه الظاهرة "العنوسة" عبر إباحته للتعدد، لكن كيف يكون الحال عندما يحدث العكس كما هو في حالة الهند الآن؟
وفي النهاية يبقى السؤال، هل وصول امرأة لرئاسة الهند سيُسهم في الحد من هذه الظاهرة؟ البعض يرى أن هذه الظاهرة ستستمر لفترة، ولن تفلح القوانين في التقليل منها نظرا لارتباطها بعادات وتقاليد، بل ومعتقدات باطلة من ناحية، فضلا عن انتشار الجهل والأمية خاصة في الريف من ناحية ثانية، لذا فإن العبرة ليست في سَن القوانين، ولكن في مدى التزام الناس بها، لذا فقد تكون التوعية الإعلامية، بل والدينية من أهم السبل لمحاولة الحد من هذه الظاهرة..
